شعب النكتة الذى كان

شعب النكتة الذى كان







الشعب أصبح دمه ثقيلاً جدًّا.. الكلمة تخرج من بقه طوبة تعوَّرك فى وشك. فى مرة انتظرت صاحب كشك لفترة حتى عاد وفتح.. شاب فى مقتبل العمر، قلت له ساخرًا: ده كلام يا راجل؟ أنا منتظرك م الصبح وعمال أقول هييجى مش هييجى.. هييجى مش هييجى.
حدجنى (يعنى رمانى بنظرة زى السهم أو السم)، وانفجر فمه بكلام طفح فى وجهى: أنت هتحاسبنى؟! ما تخلقش اللى يقول لى أفتح إمتى.. أنا حر أقفل الكشك أفتحه.. أنت لو ما رحتش شغلك، هاقول لك لازم تروح؟ حد هيحاسبك لو ما رحتش ويقول لك ما رحتش ليه؟ أنت ... و..... و.....

أمسكت نفسى بالعافية، وسألته بهدوء معاتبًا: أنتو ليه بتفهموا المسائل كده؟ هو خلاص الناس نسيوا الضحك؟!
صاح: ما أنت داخل علىَّ بصدرك وبتحاسبنى.
قلت له: يعنى تركيبة الجملة وطريقة كلامى وتعبيرات وشى كل ده ما عرَّفكش إنى باهزر؟
قال: هو الواحد فاضى للهزار؟
سألته: هو الهزار عملوا له وقت كمان؟
خلاصة هذا الحوار الممل الثقيل أنى لما اشتريت منه، قال لى (من باب الهزار): جاى تهز طولك على عشرة جنيه؟!
نظرت إليه، فوجدته قد اتسع فمه كما تفعل كثير من المذيعات. قلت له: ما أنت بتهزر آهو ووشك منوَّر من الضحك؟! أمال إيه اللى حصل؟ كان فيه عطل فى وشك؟
قال: ما أنا لازم آخدك وش الأول وبعدين....
قلت فى نفسى: ماشى هزار نقَّاش أو مبيّض محارة.. مش مشكلة.
أكمل: ... المهم إنى فى الآخر خلِّيتك ماشى بتضحك.

قلت: كان ممكن ما نوصلش للآخر ده بعد ما قفلت معايا فى البداية وأسيبك وأمشى.
المهم الموضوع طوِّل ورخِّم، والحكاية كئيبة.. شفتم الشعب بقى حاله عامل إزاى؟
زمان مش أوى، من كام سنة كنا نصحو على هذا السؤال: سمعت آخر نكتة؟ يوم جديد معناه نكتة جديدة، ولازم تكون جديدة لم يسمعها أحد من قبل. ويا كسوفك ويا فضيحتك يا من تقول نكتة محروقة.

كان المصرى.. كان.. معروفًا ومصنفًا فى كل دول العالم وجميع الموسوعات البنى آدمية أنه ابن نكتة، يا ترى اليوم هو ابن ماذا؟ النكت قتلها النكد.. النكد المعيشى، ومسرح الحكومة التجريبى (على الشعب)، ودراما الصراع بين الشر والشر، والمحرقة الاجتماعية. وكل واحدة منها ترسانة أسلحة دمار شامل تصعق وتسحل وتفرم وتتبستر وتبسطرم وتلنشن وتسجِّق وتبلبف الكائن البشرى الذى يطلق عليه لفظ "مصرى".

وهى كافية لإبادة الجنس البشرى مائة مرة، ولأن المصرى لم تتم إبادته بعد كل هذا؛ فإنه سيظل صابرًا صامدًا محتسبًا و(محسبن). نعم أصابه شرخ، لكن يمكن ترميمه؛ ليعود يضحك من جديد.. صدقونى أزمة وهتعدِّى، وسيعود لأصله المميز له عن باقى البشر، وهو أنه "ابن نكتة" رغم أنف كل كئيب، ورغم أنف أنفلونزا الخنازير، سيعود اليوم الذى نقول فيه (برخامة) لقائل النكتة المحروقة "يا كسفتك"، و... "هاا.. قديمة"!