غيومي أمطرتْ حُزنًا، لِسُقْيا عاشِقٍ قدْ خلَّدَ الذكرى
إلى أنْ باتَ جثمانا...
يعيشُ ملاحقًا عِشقًا، يعاني منهُ حِرمانا...
فتأتي الغيمةُ الكبرى، وتسألُ ذاكَ في خوفٍ، أما تحكي أما تشكو؟! فعلَّ البوحَ يشْفيكَ، فتنجو نفسُ من عانى...
فغنَّى لائِعًا يشكو كثيرَ الشوقِ والصبرِ...:
أنا الحيرانُ في أمري، بلا قدرٍ أسيرُ،
بلوعةٍ أجري...
فتاهت فرحتي عنِّي،لألقى المُرَّ من عمري...
وأمضي نحوَ حِرمانٍ، وأمضى نحوَ قُضبانٍ
وما أدري...
فطعمُ الحزنِ في كأسي، بهِ موتٌ وأشربُهُ بلا وقفٍ،
وأدْمنُهُ وأحسِبُهُ يضاهي لذَّةً خمري...
وذاتُ اليومِ ألقاهُ، وذاتُ الحالِ أحياها،
فبينَ الشكِّ مرهونٌ، وبينَ براثِنِ الغدْرِ...
قوارِبُ شوقنا انْدثرَتْ، سفينةُ عشقنا بادتْ، أمِنْ مدٍّ؟!
أمنْ جزرِ؟!...
وتِلكَ سيوفُها الصدْأى تشيدُ الموتَ في
قلبي، وتمحو كلَّ
آمالي، وتفتكُ بي على عجلٍ، لتبدو جنَّةُ القلبِ
كما القبرِ...
وذكراها تُثيرُ النارَ في ذهني وفي صدري...
فأحيا عاشِقًا ألمي،
ويبقى رملُ أحزاني يُضايقني، فذا فرحي كأمواجٍ،
يموتُ إذا دنا منِّي.
وأيَّامي معذَّبةٌ فشوك الوردِ يُدميها، ويخنقُها
كأنَّ الموتَ يَغشاها...
فذاكَ اليومُ إذ وقفَتْ أمامَ العينِ واختطفَتْ عيونًا
طالما زهدتْ، وفي لحظٍ ولم ألحظْ
رياحُ الوجدِ قد عصفتْ...
وحلَّتْ في دمي طيفًا، وحلَّ التوقُ للرؤيا،
وتلكَ العينُ ما طرفتْ...
فؤادي باتَ يعشقها، ونبضاتي لها هتفتْ...
سريعًا نحوها أمشي،
ولمْ أعلمْ بأنَّ النفسَ صوبَ دمارها
تدنو.
أتيْتُ مُسائلاً قربًا، بهمسِ الحُبِّ أعلمها،
وليتَ الموتَ وافاني قبيلَ اللفظِ يا وجعي،
فهذي النفسُ قد ظلمتْ،
وتُجزى سوءَ ما اقترفتْ...
وقدْ بدأتْ أميرةُ قلبيَ المسلوبِ قصَّةَ عشْقنا الزائفْ،
تحلُّ الصبحَ في عُمري، تعانقني تداعبني، تقرِّبني
إلى صدرٍ إلى وجهٍ، وتسقيني لمى شفةٍ
بهِ شهدٌ بهِ خمرٌ، فتُسكرُني
وتأسرُني...
ويأتي الليلُ يوجعُني، وترحلُ عن هوى مدني
وتنثرُ كلَّ أشلائي، تقول الحالُ أعياها، وترحلُ
ما تودِّعُني...
وتأتي اللحظةُ النكراءُ تهجرُني...
تُزيلُ رفاتَ
أحلامي، وتمحو العشْقَ من قلبٍ هو الجاني،
بسيفِ الغدرِ تقتلـُني...
تُثيرُ النارَ من حولي، ويحرقُ غدرها سُفني...
فتهفو الرُّوحُ للُّقيا، ويغفو حائِرًا أملي، وتصمتُ كلُّ
أجزائي، فقد آثرتُ كِتمانا...
وصارَ الشوقُ نائبةً تشقُّ فؤاديَ الدامي، حسبْتُ العشْقَ أغنيةً بها أشدو، وكانَ الطيشُ
في فكري، فكانت لوعتي نزقي...
ذكتْ ناري وما زالتْ، وذاتُ الأمرِ يسكنني، وكلُّ البيتِ يرثيني لبعدِ النومِ عن عيني.
وسائدُ بيتِنا تشكو إذِ ابتلعتْ جفافَ حروفها الثكلى، وهذي العينُ تهلكني
تعاني الخوفَ في ليلٍ، وبرْدُ الهجرِ يقتلها، وكي تنجو تهاجمني، بسيفِ السهدِ تُدميني، وتغرقني بسيلِ الوجدِ والأرقِ...
وقاتِلتي تزيدُ همومَ مذبوحٍ، ويُعجبها هواني ترتضي غرقي...
مضى عامٌ على وجعي، فأنسى لحظةً ناري،
وآتي نحوَ أفراحٍ، وأبحثُ بينَ أوراقي على قلبٍ ليحويني،
فتأتي تلكَ قدْ ذُعرَتْ، تقول الشوقُ أرسلها، تقولُ بأنّها ندِمتْ، وترجو الصفحَ منْ قلبٍ بهِ غدرتْ،
وتبكي دمعَ تِمساحٍ لأصفحَ عن مساوئها، وأنسى الأمسَ والماضي. فأهلكُ مرَّةً أخرى، وأهفو مُسلمًا نفسي لمطرقةٍ تُحطِّمها. ويمضي الوقتُ في عجلٍ، بلا وجلٍ بلا خجلٍ، فتقطعُ كلَّ شريانٍ، تُمزِّقُ كلَّ أوردتي،
وترحلُ تلكَ تاركةً لتحصدَ موتَ أحلامي، وتجني لوعتي ثمرًا..
فيفْتكُ سوطُ أوهامي بأضلاعي، ويدنو
واصِلاً كبدي...
وتُنهكُ سكرةٌ جسدي...
وما أقوى على صبرٍ، وما أقوى على جلَدِ...
تحياتى