ذكر ابتداء خلقهم
خلق الله عز وجل الجن قبل أن يخلق الإنس بمدة لا يعلم زمنها إلا الله عز وجل حيث يقول جل شأنه: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ *﴾ سورة الحجر، الآيتان:27-26.، وهذه القبلية معناها الفترة الزمنية التي عمر وسكن فيها الجن الكوكب الأرض قبل الإنسان، وقال سبحانه وتعالى كذلك: ﴿وَمَا خَلَقْتُ وَالْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *﴾ سورة الذاريات، الآية:56.، يقول الألوسي عن هذه الآية الكريمة {ولعل تقديم الجن في الذكر لتقدم خلقهم على خلق الإنس في الوجود} روح المعاني/ م:9 ج:27 ص:20. وقد ورد عن بعض الصحابة تحديد هذه المدة منهم عبد الله بن عمر حيث يقول: {كان الجن قبل آدم بألف عام فسفكوا الدماء فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور}. قصص الأنبياء/ ابن كثير ص:13، 1992م.
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ ج قَالُوآ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الْدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *﴾ سورة البقرة، الآية:30.، هذه الآية الكريمة كذلك قد فهم منها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن الجن هم الذين كانوا قبل الإنسان وأنهم أفسدوا وسفكوا الدماء واتفق مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المدة التي عمر فيها الجن الأرض قبل خلق الإنس {يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "قال الله تعالى": ﴿إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجن فأفسدوا في الأرض، فبعث الله عليهم جنوداً من الملائكة فضربوهم حتى ألقوهم بجزائر البحور، فلما قال الله: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ كما فعل أولئك الجان} المستدرك على الصحيحين في الحديث/ الحاكم النيسابوري ج:2 ص:461 كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".، ولا شك أن هذه القبلية تدعو الجن إلى الفخر على الإنسان لأنه أول من عمر وسكن الأرض
أصناف الجن
الجن ليسوا صنفاً واحداً متشابهاً في القدر والصورة ولكنهم أجناس وأصناف، فهناك من يعيش في البحار ومن يسكن في السحب ويطير في السماء، ومن هو على شكل كلاب أو حيات أو عقارب ...، ﴿عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وصنف يحلون ويظعنون﴾ المستدرك على الصحيحين في الحديث/ الحاكم، ج:2 ص:456.، والكلب الأسود صنف من الجن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كل كلب أسود خالص السواد لأنه شيطان ﴿عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم﴾ (الخالص السواد) مختصر سنن أبي داود/ المندري م:4 ص:132-133.، كما حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلب الأسود الواجب قتله في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر بن عبد الله قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: ﴿عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان﴾ صحيح مسلم.، لكن كيف نفسّر كون الكلب الأسود من الجن؟ هذا أمر فوق مدارك البشر القاصرة عن معرفة أسرار الله في الخلق. أما الصنف الذي يكون على شكل حيات فيكون في الصحاري والفيافي، وقد يكون حتى في البيوت وتسمى هذه الحيات بجنان البيوت وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها: ﴿عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلي: أن أجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت؟ فقالت: نعم قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله فاستأذنه يوماً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة، فأخذ سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنه به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا: ادع الله يحييه لنا، فقال: استغفروا لصاحبكم ثم قال: إن بالمدينة جناً أسلموا فإذا رأيتم ذلك منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان﴾ صحيح مسلم/مسلم م:4 ص:1756